هل محمد الثاني هو الفاتح الذي يقصده النبي صلى الله عليه وسلم؟


مقال عن: حقيقة فتح محمد الثاني للقسطنطينية!

فتح القسطنطينية 1453 م

وقبل أن أبدأ كلامي أود توضيح عدة أمور:

1- اننا سنبين من خلال هذا المقال حقيقة أن محمد الفاتح هو المقصود في حديث النبي صلى الله عليه وسلم {لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش} أن أن ذلك غير صحيح؟!

2- أني لا ولن أدافع عن أحد فكل يؤخذ منه ويرد وليس فينا معصوم ولا نبي

2- ما يهمني هو الدفاع عن التاريخ الذي يتم تزيفه والحقائق التي تُمحى من ذاكرتنا بفعل أشخاص لهم أهداف مختلفة

فتح القسطنطينية على يد محمد الثاني {كان في عام 1453م}

هل هذا الفتح جديد على المسلمين ولم نعرفه إلا بعد سقوط الخلافة العثمانية؟، هل هذا الفتح لم يفخر به المؤرخين على مر الزمان؟، ألم يتحدث عنه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها “منذ الفتح حتى يومنا هذا“؟!

مشكلة من ينتقد الدولة العثمانية أنه يتحدث في التاريخ ويستعطف من يكره الدولة العثمانية ومن له خلاف مع “تركيا الآن” فكريًا وايديولوجيًا، خاصة من لا يعرف إلا القليل في التاريخ

وسوف اتجاوز عن العديد من الأمور التي قد يذكرها البعض عن محمد الثاني وعن الدولة العثمانية، خاصة ما يتعلق بـالتصوف … إلخ، لكي لا اطيل الحديث لان فيها الكثير والكثير من الكلام وسوف أتحدث عن الأمور الهامة فقط وهي أمر فتح القسطنطينية

ونبدأ الآن في النقاط الهامة حول الموضوع:

1- ان محمد الثاني “الفاتح” قد فتح القسطنطينية بالمفهوم المتعارف عليه للفتوحات الإسلامية بتحويل المدينة من مدينة مسيحية إلى مدينة إسلامية حيث يذكر المؤرخ مبارك الجزائري في كتابه تاريخ الجزائر في القديم والحديث ص361

أن [القسطنطينية. لما فتحها محمد الثاني من آل عثمان صارت تدعى اسلامبول. ومعنى ذلك مدينة الاسلام]

وكذلك يذكر المؤرخ محمود مقديش في كتابه نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار ج2، ص13 عندما تحدث عن السّلطان محمّد الثاني وفتحه للقسطنطينية قال:

[الغزوة العظمى التي فتح بها القسطنطينية الّتي كان بها افتخار الكفرة على الإسلام، ففتحها وبدّلها الله من رجس الكفر بطهارة الإسلام]

ويقول المؤرخ المعروف ول ديورانت في كتابه قصة الحضارة ج23، ص38

[هز الاستيلاء على القسطنطينية كل عرش في أوربا. فقد سقط الحصن الذي طالما حمى أوربا من آسيا أكثر من ألف سنة، فإن القوة والعقيدة الإسلاميتين .. رأت البابوية، التي حلمت بإخضاع جميع المسيحيين اليونان لحكم روما، بفزع سرعة تحول الملايين من سكان جنوب شرقي أوربا إلى الإسلام]

ويكمل في صفحة 42،43 [تابع الأتراك فتح البلقان واستسلمت الصرب.. واستولى محمد الثاني على كورنثه بعد أن حاصرها وأثينا دون أن يرفع رمحاً.. وقبلت البوسنة الإسلام]

** هل كل هذا لا يعتبر فتحًا إسلاميًا، حوَل الآلاف من الكفر إلى الإيمان وفتح الله به البلدان، أليس هذا يعتبر فتح للإسلام والمسلمين؟

2- وبخصوص المخالفات الشرعية للدولة العثمانية وحكامها التي يتحدث عنها البعض فكل شخص وكل دولة لها ما لها وعليها ما عليها، واختزال المشهد في بعض المخالفات هو أمر مشين، فليس بيننا معصوم إلا المصطفى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه قاعدة إسلامية أساسية وهي:

أن {الإسلام لا يُقِر الأفعال الخاطئة مهما كان فاعلها}، حتى وإن كان من أقرب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم ومن كبار الصحابة.

وهذا ما يتضح لنا جليًا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم تجاه ما فعله خالد بن الوليد رضي الله عنه، حينما أرسله النبي إلى بني جذيمة لدعوتهم للإسلام

[حيث أخرج البخاري في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولوا صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر.. حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال: ” اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ ” مَرَّتَيْنِ].

وهذا يوضح إقرار النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ، فنحن نتحدث في هذا الموقف عن خالد بن الوليد رضي الله عنه، أحد كبار الصحابة وقادتهم في المعارك، فما بالنا بمن هو أدنى منزلة منه مثل محمد الثاني أو غيره، فليس هناك معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وإن خالف أي مسلم سواء كان صحابي أو تابعي أو غير ذلك، فلا يُعد ذلك حُجَة على الإسلام والمسلمين بل هو حُجَة على نفسه.

3- بالنسبة للحديث المنسوب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم {لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش}
فهو حديث ضعيف؛ حيث أنه من رواية عبدالله بن بشر الخثعمي، وهو مجهول، لم يوثِّقه إلا ابن حبان، وفيه اختلاف في اسمه واسم أبيه، وفي نسبه

سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة 2- 268

لتفتحن القسطنطينية - تاريخ الإسلام 6- 269

4- محمد الثاني ليس هو الفاتح الذي يقصده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه عن فتح القسطنطينية!!

ويوضح ذلك الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

[سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق. فإذا جاؤوها نزلوا. فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم. قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر. فيسقط أحد جانبيها. قال ثور (أحد رواة الحديث): لا أعلمه إلا قال: الذي في البحر. ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر. فيسقط جانبها الآخر. ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر. فيفرج لهم. فيدخلوها فيغنموا. فبينما هم يقتسمون الغنائم، إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج. فيتركون كل شيء ويرجعون]

والقسطنطينية لم تفتح في عصر الصحابة فإن معاوية رضي الله عنه بعث إليها ابنه يزيد في جيش فيهم أبو أيوب الأنصاري، ولم يتم لهم فتحها

ويكمل هذه الصورة حديث في صحيح البخاري [“كتاب الجهاد” باب غزو البحر عن أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- يقول: {أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم} فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: (( لا ))}
قال الحافظ ” رحمه الله ” مدينة قيصر هي القسطنطينية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- : وبالإجماع أول جيش غزاها بقيادة يزيد بن معاوية وكان تحت أمرته بعض الصحابة منهم أبو أيوب الأنصاري

ثم حاصرها بعد ذلك مسلمة بن عبد الملك ولم تفتح أيضاً, ولكنه صالح أهلها على بناء مسجد بها، وجاء بعد ذلك محاولة فتح الترك الذي كان أيضاً للقسطنطينية بقتال

وما هو واضح في الحديث الصحيح أن الجيش الفاتح للقسطنطينية {لن يقاتلوا بسلاح ولن يرموا بسهم} وذلك لم يحدث حتى الآن، بالاضافة أن ذلك سيكون في آخر الزمان قبل خروج الدجال

ويقول أحمد شاكر في تحقيقه “حاشية عمدة التفسير عن ابن كثير” ج2، ص256:

[فتح القسطنطينية المبشر به في الحديث سيكون في مستقبل قريب أو بعيد يعلمه الله عز وجل، وهو الفتح الصحيح لها حين يعود المسلمون إلى دينهم الذي أعرضوا عنه، وأما فتح الترك الذي كان قبل عصرنا هذا فإنه كان تمهيدًا للفتح الأعظم]

وهذا لا يُقَلِل من الفتح الذي قام به محمد الثاني ومن معه من المجاهدين المسلمين، الذين أزالوا الكُفر ونشروا الإسلام، بل هو ايضاح لمن يجهل ذلك الأمر بأن ذلك ليس هو الفتح المقصود في الحديث بل إن ذلك الفتح سيكون دون قتال “فقط بـ لا إله إلا الله” وهي دلالة على قوة الإيمان، وهذا أمر منطقي عندما يكون الإيمان قوي والعقيدة سليمة، فالعديد من البلدان فتحت دون قتال ودخل أهلها في الاسلام

هدانا الله واياكم لما فيه الخير ان شاء الله

عماد الدين علي | Emad El-Din Ali
متخصص في التاريخ والآثار المصرية والإسلامية